الدرس الأول: حين استعجلتُ الثمار
قبل أعوام، بدأت مشروعًا صغيرًا بشغف كبير، وكنت أريد أن أرى النتائج فورًا. كنت أعمل ليلًا ونهارًا، أراقب الأرقام وأقارن نفسي بالآخرين.
لكن شيئًا فشيئًا بدأ التعب يتسلل إلى داخلي. خسرت التركيز، ثم الحماس، ثم جزءًا من نفسي.
في إحدى الليالي، وأنا أجلس أمام شاشة الحاسوب، سألت نفسي: "هل هذا ما أردته فعلًا؟ أم أنني أهرب من خوفي من الفشل بالركض السريع؟"
حينها أدركت أنني لم أكن أزرع حلمي… بل كنت أحاول قطفه قبل أن ينمو.
التحوّل الهادئ
توقفت يومها لأتنفس. قررت أن أتعامل مع الحياة كما يتعامل الفلاح مع أرضه: يزرع، يسقي، ينتظر، ويؤمن أن الثمار ستأتي في وقتها.
بدأت أتعلم الصبر من التفاصيل الصغيرة: من فنجان القهوة الذي لا يُشرب على عجل، من كتاب يُقرأ دون استعجال الصفحات، من علاقة تُبنى بثقة لا بكثرة اللقاءات.
ومع مرور الوقت، تغيرت نظرتي لكل شيء:
لم يعد الفشل نهاية الطريق، بل جزءًا منه.
لم تعد التأخيرات تُقلقني، بل صرت أرى فيها تدريبًا على الثبات.
الصبر لا يعني الجمود
كثيرون يظنون أن الصبر يعني ألا تفعل شيئًا، لكنه في الحقيقة فنّ العمل الهادئ دون ضجيج، والثقة في النتيجة دون توتر.
الصبر هو أن تستمر حين يتوقف الآخرون، أن تزرع رغم الجفاف، أن تؤمن بثمارك حتى حين لا يراها أحد.
هو أن تعمل على حلمك بخطى ثابتة، وتترك الزمن يُكمل الرسم الذي بدأته.
النجاح الهادئ
اليوم، حين أنظر إلى الوراء، لا أرى اللحظات التي تعجلت فيها، بل تلك التي انتظرت فيها بصبر وواصلت العمل رغم التعب.
الصبر جعلني أتعلم أن كل شيء جميل يحتاج إلى وقت:
الزهور لا تتفتح في يوم، العلاقات لا تبنى في أسبوع، والنضج لا يأتي مع العمر بل مع التجارب.
لقد أدركت أخيرًا أن الصبر ليس ضعفًا، بل وعيًا بأن ما كُتب لك سيأتيك في وقته المناسب، لا قبل ذلك ولا بعده.
وفي هذا الهدوء، وجدت أجمل أنواع النجاح: النجاح الذي لا يُحدث ضجيجًا، بل يُشعر روحك بالسلام.
