كنتُ أظن أن الراحة تعني أن أبتعد عن كل جهد، أن أطفئ الحاسوب، وأغلق الهاتف، وأجلس بلا هدف لساعات. كنت أقول لنفسي: “أنا أستحق الراحة” بعد كل تعب.
لكن شيئًا غريبًا كان يحدث... كلما ارتحت أكثر، شعرت بتعب أكبر.
لم أعد أجد معنى في يومي، ولا نشوة في إنجاز صغير، ولا حماسًا لبدء صباح جديد.
حينها فهمت الحقيقة المدهشة: الراحة الحقيقية لا تأتي من التوقف عن العمل، بل من العمل الذي نحبّه.
اللحظة التي غيّرت نظرتي
في أحد الأيام، وبينما كنت أتذمر من ضغوط الحياة، التقيت برجل مسن في مقهى هادئ. كان يحمل دفترًا صغيرًا ويكتب بحماس، رغم أن عمره تجاوز السبعين.
سألته ممازحًا:
"أما زلت تعمل؟ ألا تحتاج إلى راحة بعد كل هذه السنين؟"
ابتسم وقال:
"يا بني، الراحة التي تبحث عنها ليست في الكسل، بل في النشاط الذي يغذي روحك. كلما توقفتَ عن الحركة، بدأتَ تتعب."
تلك الجملة ظلت ترنّ في رأسي أيامًا طويلة. بدأتُ أستعيد نظرتي لما أسميه “راحة”، واكتشفت أنني كنت أهرب من التعب لا من الحياة.
الفرق بين الراحة والكسل
الراحة هي أن تتوقف لتستعيد قوتك.
أما الكسل فهو أن تتوقف لأنك فقدت الإحساس بالاتجاه.
الأولى تُنبت فيك طاقة جديدة، والثانية تُطفئ ما تبقى من شغفك.
حين بدأتُ أملأ وقتي بأشياء أحبها: القراءة، المشي، الكتابة، المشاريع الصغيرة… شعرت أنني أتنفس من جديد.
الراحة لم تعد لحظة صمت بين تعبَين، بل أسلوب حياة متوازن بين السعي والسكينة.
الراحة التي تمنحك معنى
اليوم، حين أستيقظ في الصباح، لا أبحث عن الساعات الفارغة، بل عن الساعات الممتلئة بالمعنى.
لقد فهمت أن أجمل راحة هي تلك التي تأتي بعد عطاء،
وأن الجسد لا يتعب من العمل بقدر ما يتعب من الفراغ.
تعلّمت أن أعيش بإيقاع جديد:
أن أعمل حين يجب أن أعمل، وأرتاح حين يحتاج القلب إلى تنفس.
وفي هذا التوازن، وجدت نوعًا جديدًا من السعادة… سعادة الإنجاز الهادئ.
